قضايا و حوادث تونس: نسبة الطلاق بين المصابات بالسرطان بلغت 12 في المئة سنة 2024
عاني النساء المصابات بمرض سرطان الثدي في تونس من الهجر الزوجي، ما يحول دون مواصلة العلاقة الأسرية بين الزوجين. وأفادت الأخصائية الاجتماعية في مركز الإحاطة والتوجيه في الاتحاد الوطني للمرأة التونسية عربية الأحمر بأن نساء مصابات بالسرطان أنصت إليهن الاتحاد صرحن برفض الزوج لفكرة فقدان زوجته لثدي واحد أو ثديين اثنين وعدم القبول بالمرض وعدم القدرة على مواصلة الحياة الزوجية.
وأكد البعض منهن أن الزوج يغادر محل الزوجية أو يعود إلى منزل والديه أو يقوم بكراء منزل مستقل كما يقوم بالضغط على الزوجة من أجل القبول بفكرة الطلاق بالتراضي أو رفع قضية ضدها لأنها لم تقم بواجباتها الزوجية.
وأكدت هندة بن ظافر، من الهوارية التابعة لمحافظة نابل (شمال) وأم لثلاثة أبناء، أن زوجها تخلى عنها بمجرد إصابتها بسرطان الثدي، حيث تغيرت معاملته وأصبح ينام في غرفة مستقلة ويتجنب البقاء معها في الغرفة نفسها ويفتعل المشاكل لأتفه الأسباب. وقالت “لم أتخيل يوماً أن يكون قاسي القلب وناكر الجميل إلى هذا الحد. بعد 27 عاماً من الزواج، تنكّر لي بمجرد مرضي.”
وأضافت أنها اضطرت إلى العمل على الرغم من مرضها لإعالة أبنائها، خصوصاً أنهم في سن المراهقة. وكانت تعمل في العديد من الأعمال الهامشية، كالزراعة وبيع الخبز والتنظيف، لتوفر قوت أبنائها غير عابئة بالمرض والتعب. ولفتت المتحدثة إلى أنها في الوقت الذي كانت تحتاج فيه إلى دعم معنوي من شريك حياتها والتركيز على العلاج، كانت بين أروقة المحاكم ومكبلة بالمشاكل التي تسبب فيها زوجها، وقد انقطعت ابنتها (15 عاما) عن الدراسة. وتضيف أنه مرت الآن سبعة أعوام. مع ذلك، لم تزر طبيباً ولم تتابع وضعها الصحي لتوفير كلفة العلاج ومصاريف التنقل إلى العاصمة لأبنائها.
وأكد الأخصائي في أمراض النساء والتوليد الدكتور عبدالرزاق فلفول أن نسبة الطلاق بين المصابات بالسرطان بلغت 12 في المئة سنة 2024، معتبراً أن هذا الرقم “مرتفع ومقلق.” وشدد الدكتور، في تصريح لإذاعة محلية خاصة، على أهمية توعية الأسرة والأزواج والمحيط القريب بمكانة دورهم في حياة مريضة السرطان، خاصة في الحالات المتقدمة من المرض.
وأوضح أن الكثير من النساء المصابات يعشن بين الألم الجسدي وتداعيات الفحوصات والعلاج والتغيرات التي تصيب أجسادهن، وبين الفتور الجنسي والأسري الذي قد يزيد من معاناتهن النفسية. وشدد الدكتور فلفول على أن الرعاية الطبية والنفسية لا يجب أن تقتصر على المريضة وحدها، بل ينبغي أن تمتد إلى أسرتها ومحيطها العام، لأن نجاح العلاج يتأثر مباشرة بدرجة دعمها الأسري والاجتماعي.
وفي عام 2019 تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي خبرًا مفاده أن زوجًا طلب الطلاق للضرر من زوجته لأنها مريضة بسرطان الثدي، وهو ما أثار حالة استهجان بين رواد هذه المواقع لما اعتبروه سوء معاشرة من الزوج بالتخلي عن زوجته زمن مرضها بدل مساعدتها والوقوف إلى جانبها.
كما أثارت هذه الحادثة تساؤلات بخصوص مدى إمكانية طلب القرين الطلاق للضرر بسبب مرض القرين الآخر. وقد عرف القضاء التونسي العديد من القضايا المشابهة، وانتهى إلى فقه قضاء بات ثابتًا في مجمله يؤسس الطلاق للضرر على أساس الخطأ. إذ يجب على القرين الذي يريد الطلاق بهذه الطريقة أن يثبت أولًا وجود ضرر له، وثانيًا، وهو الأهم، وجود خطأ من طرف القرين الآخر.
وميز القضاء بين علم المريض بمرضه قبل الزواج أو بعده، فإن كان عالمًا به قبل عقد الزواج ولم يعلم الطرف الآخر، يصبح القرين المريض خاطئًا ويمكن القضاء بالطلاق للضرر لصالح القرين المدعي. أما في حالة المرض بعد الزواج، فالصورة أكثر تعقيدًا، وذلك راجع إلى تقابل الواجبات الزوجية في ما بينها.
ولا يبيح مرض الزوج أو الزوجة بصفة مبدئية طلب الطلاق للضرر، فإن كان الضرر حاصلا للقرين المعافى، فالقرين المريض لا يُمكن أن يُجابه بمرض لم يختره. بل أكثر من ذلك، يجب على الزوج المعافى مساعدة زوجته المريضة على أساس الواجبات الزوجية التي أقرها الفصل 23 من مجلة الأحوال الشخصية وخاصة واجبي المعاملة بالمعروف وحسن المعاشرة.
ويؤكد شراح القانون أن واجب المعاملة بالمعروف هو واجب أخلاقي أكثر منه قانونيا، فيما يستلزم واجب حسن المعاشرة بين الزّوجين، بل يُعتبر حسن المعاشرة هو المرجعية الأخلاقية للواجبات غير المالية بين الزّوجين.
وفي حالة المرض دائمًا تؤكد المحاكم التونسية على واجبي المؤازرة والصبر باعتبارهما من أوكد الواجبات الزّوجية، وقد رفضت مثلًا محكمة التعقيب في قرار غير منشور بتاريخ 25 أبريل 2018 طلب الزّوج للطّلاق بعد إصابة زوجته بجلطة دماغية ممّا حرمه من الاستمتاع الجنسي وإن أثبت التقرير الطبي أنّ حالتها يمكن أن تستغرق سنتين للتحسّن وذلك باعتبار أنّ “واجب المؤازرة يقتضي من الزّوج مساندة زوجته.”
وشدد فلفول على ضرورة نشر ثقافة التصالح مع الإصابة بالسرطان وعدم اعتباره “مرضا خبيثا” يحبط عزائم المرضى ويصنفهم ضمن خانة المعرضين للموت أكثر من غيرهم، مؤكدا على أهمية التقصي المبكر الذي يمثل حجر الأساس في الوقاية من سرطان الثدي.
واعتبر المختص في أمراض النساء والتوليد أن سرطان الثدي لا يخص فقط المريضة بل العائلة بأكملها، لأن الإحاطة العائلية مهمة جدا في عملية العلاج والتشافي من سرطان الثدي، إذ ترفع معنوياتها وثقتها بنفسها، داعيا العائلة وبالخصوص الزوج إلى التفهم وعدم التفاعل بسلبية مع خبر الإصابة بالسرطان. وبين أن تونس سجلت مؤخرا 12 ألف حالة سرطان أنثوية، نصفها سرطان الثدي.
واعتبرت المختصة في الطب النفسي شريفة التليلي أن اكتشاف النساء إصابتهن بأحد السرطانات الأنثوية يمثل صدمة نفسية للعديد من المريضات يمكن أن تقود إلى التفكير في أفكار سوداوية أو ظهور اضطرابات نفسية كالاكتئاب والقلق. وأكدت أن كل امرأة مصابة تحمل تجربتها الخاصة مع المرض ويعود ذلك إلى عدة عوامل من بينها العوامل النفسية والاجتماعية والمادية.
وبينت أن العائلة الداعمة التي تتعهد بالمرأة المصابة بالسرطان في جميع المراحل منذ خبر الإصابة إلى مرحلة العلاج الكيميائي أو عملية استئصال الثدي تمكن المريضة من تقبل فكرة المرض والاقتناع بجدوى العلاج.
بدورها قالت خبيرة التنمية البشرية سحر مراد إن سرطان الثدي من الأمراض المهددة لحياة المرأة وكيانها الاجتماعي والنفسي والصحي؛ لأن هذا المرض اللعين عندما يصيب المرأة المتزوجة، ولم تجد أمامها زوجاً متفهماً لظروفها الصحية، قد يدفعها إلى طلب الدعم من الأهل والأصدقاء، عبر مشاركة المهام اليومية، كما يمكن اللجوء إلى مجموعات دعم عن بُعد، أو التواصل مع جمعيات متخصصة للحصول على المشورة ورفع الروح المعنوية.
وأضافت أن هذا المرض قد يؤدي إلى تغيرات جوهرية في الأدوار الاجتماعية التي تقوم بها الأسرة، لذلك يعد الدعم الاجتماعي إحدى الوسائل بالغة الأهمية التي يمكن أن يقدمها أفراد الأسرة للمريضة المصابة بسرطان الثدي أو المحيطين بها، وقد يحمل الدعم الاجتماعي في طياته معنى المعاضدة والمؤازرة وشد الأزر والتقوية، بل والمساعدة على مواجهة جميع المواقف الحياتية.